صفـع السلطـان سليمـان القانونـي أوربـا على وجه العمـوم و إمبراطورية الهابسبـورغ و على رأسها كارلوس الخامس و أخوه فيرديناند الأول على وجه الخصوص .. بعد فتحه المؤزر لمدينـة بودا في قلـب أوربا ( بودابست الحالية عاصمة المجر ) عام 1541 .. و دخوله شخصياً على رأس الجيش العثماني إلى المدينة ...
وصل خبر الهزيمة الصاعقة إلى كارلوس الخامس عندما التقى بأخيه فيرديناند في مدينـة جنـوى الإيطالية ... فاستفزه هذا النصر الإسلامي الكبير ... و أراد أن يثأر بنصـر يقابل تلك الهزيمة ... فلم يجد أفضل من حملة صليبية يوجهها إلى الجزائـر ... و التي كانت دار الجهاد البحري و إيالة عثمانية منذ ضمها على يد أسد البحار خيـر الدين بربروسـا ... فحشد كارلوس الخامس أسطوله الشهير .. الأرمادا الإسبانية .. و انضمت إليه قطعات بحرية من النمسا و صقلية و جنوى و نابولي و الدول البابوية و فرسان الإسبتارية ... و أصبغ البابا يوحنا الثالث على الحملة صفة الصليبية بإرسال حفيده كالونا و نشره بلاغاً في كل أوربا للمشاركة بها ... و خرج على رأس الأسطول الضخم الإمبراطور كارلوس الخامس بنفسه يرافقه أشهر رجالات البحرية الأوربية .. أمثال أندريا دوريا قائد أسطول الرابطة المقدسة ضد الدولة العثمانية في معركة بيرويزا التاريخية .. و الذي كان يريد الثأر لتلك الهزيمة المدوية أمام العثمانيين ... بالإضافة إلى هيرنان كورتيز .. سفاح إمبراطورية الأزتك الشهير ... و على الجانب العثماني في الجزائر العاصمة كان ينتظر العدو أبطال الجهاد البحري في القرن 16 للميلاد .. أمثال حسن أغا .. و الذي خلف بربروسا في حكم إيالة الجزائر ... و درغـوث ريس القائد البحري الشهير ... و صالح ريس البحار العربي منقذ الأندلسيين .. و سنان باشا و الذي سيصبح يوماً ما صدراً أعظم للدولة العثمانية ... و الحاج بشير قائد المجاهدين الجزائريين ...
وصلت الحملة الصليبية إلى ساحل الجزائر في نهاية شهر أكتوبر عام 1541 .. و كان كارلوس الخامس على ثقة بنصر مؤزر لاعتقاده أن رحيل بربروسا إلى عاصمة الخلافة ليصبح أميراً للبحر هناك .. سوف يخلف فراغاً كبيراً في الجزائر .. و لم يعلم أن الرجالات الذين تركهم بربروسا كانوا أسوداً في الجهاد البري و البحري ... نزل الجيش الصليبي على البر الجزائري و خاض مناوشات بدائية مع كتائب المجاهدين .. ليتمكن أخيراً من احتلال بقعة أقام عليها معسكره .. ثم أرسل كارلوس الخامس إلى حسن أغا يطلب منه الاستسلام و تسليم المدينة ... فرفض بدوره و تجهز الطرفان للمعركة .. و قد كانت موازين القوى كلها لصالح الإسبان من حيث العدد و العدة ... و لكن و في ذلك اليوم بالضبط .. فتحت السماء بأنهار من المطر ... و هبت رياح عاصفة هوجاء .. فاضطرب الأسطول الصليبي و اختل نظامه .. و قضى الإمبراطور و جيشه ليلهم المأساوي تحت سيول المطر و الأوحال فما عرفوا نوماً .. و تجهز المجاهدون للحظة الحاسمة و هم يعلمون أن لا خيار لهم سوى النصر أو نكبة عظيمة كنكبة تونس الفاجعة ... حتى كان أذان الفجر و انقضت الصلاة .. ففتحت أبواب المدينة و انقض المجاهدون كالسيل الجارف ليصطدموا بالجيش الصليبي المحاصر ... و تلقت الفرقة الإيطالية الصدمة الأولى منهم .. فتملكها الفزع و بدأت بالفرار و هي بين قتيل و جريح ... و اختل نظام الجيش الصليبي بالكامل .. فتدخلت فرقة فرسان الإسبتارية و صدت تقدم المجاهدين ... و تظاهرت كتائب المجاهدين بالانسحاب إلى داخل المدينة فتتبعتها فرق الجيش الصليبي إلى الأسوار .. حتى إذا أصبح المجاهدون في الداخل بدأ رمي جيش العدو الذي أصبح مكشوفاً من قبل نبّالة أندلسيين مهاجرين ... فحصدوهم حصداً ... و زادت كارثة الصليبيين بأن سلاحهم الناري لم يعد ينفع فقد استحال البارود عجيناً مع المطر الغزير ... و عندها بدأ التقهقر الصليبي للوراء بعد أن أدركوا الهزيمة ... ليجدوا الأسطول قد تكسر جله و غرق في البحر جراء العاصفة الهوجاء ... وبفعل تمرد البجارة المسلمين الأسرى .. و الذين كانوا مجبرين على التجديف في السفن النصرانية ... و استغلوا أحداث المعركة للنجاة و الهرب ... و استطاع المجاهدون تحرير 1400 منهم ... و انسحب كارلوس الخامس بعد الهزيمة المدوية بفلول جيشه بمسيرة متعبة بعيداً عن الجزائر ليبحر أخر الأمر إلى إسبانيا و ذلك بمشورة من أندريا دوريا البحار الماهر .. تاركاً حطام اسطوله و جثث أكثر من 12000 جندي من جيشه على الساحل الجزائري .. و كماً لا يحصى من الغنائم التي ساقها الله للمسلمين في نصـرٍ مبيـن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق