الأحد، 31 يناير 2016

سلوك المسلم عند الفتن والشدائد


* الأمل والتفاؤل سبيلنا للتغيير:
مهما ادْلهمَّت الخُطوب، ووقفت الحياة عن المسير، يبقى الأمل والتفاؤل هما خُلق هذه الحياة، فبهما يَستنشق الإنسان عبيرَ الحياة، ويُعيد الإنسان رُوحه التي كادت تخرج من جسده، ونحن في هذه الأحداث والفتن، ينبغي لنا أن نأمُل في المستقبل، ولا نستمع إلى كلام اليائسين القانطين من رحمة الله، فاليأس ضد الإيمان؛ ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
فها هو نبيُّنا محمد ﷺ تجتمع عليه الأحزاب من كلِّ مكان، ولكنه لا يَيئس ولا يَقنَط، ويَثق في نصر الله له، ويُبشِّر ﷺ أصحابَه، فيقول حينما عجَز أصحابه عن كسْر الصخرة، فجاء النبي ﷺ وأخذ المِعْول، ثم ضرب الصخرة ضربة صدعتها، وتطاير منها شررٌ أضاء خَلل هذا الجو الداكن، وكبَّر ﷺ تكبير فتحٍ، وكبَّر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك، تفتَّت الصخرة تحت ضربات الرجُل الأيِّد الجَلِد، الموصول بالسماء، الراسخ على الأرض، ونظر النبي ﷺ إلى صحْبه وقد أشرق على نفسه الكبيرة شعاعٌ من الثقة الغامرة والأمل الحُلو، فقال: (أضاء لي في الأولى قصور الحِيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أُمتي ظاهرة عليها، وفي الثانية أضاء القصور الحُمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أُمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أُمتي ظاهرة عليها؛ فأبشِروا)، فاستبشَر المسلمون وقالوا: الحمد لله، موعود صادق، فلمَّا انسابت الأحزاب حول المدينة، وضيَّقوا عليها الخناق، لم تَطِر نفوس المسلمين شَعاعًا، بل جابهوا الحاضر المُر وهم مَوْطودو الأمل في غدٍ كريم؛ ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].
أمَّا الواهنون والمرتابون ومرضى القلوب، فقد تندَّروا بأحاديث الفتح، وظنَّوها أمانيَّ المغرورين، وقالوا عن رسول الله ﷺ -: يُخبركم أنه يُبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنتم تَحفِرون الخندق لا تستطيعون أن تَبرُزوا!
وفيهم قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12].
وها هو ﷺ لَمَّا اشتدَّت ضَراوة قريش بالمستضعفين، ذهَب أحدهم - خبَّاب بن الأرَتِّ - إلى رسول الله ﷺ يستنجد به، قال خبَّاب: شكونا إلى رسول الله وهو متوسِّد بُرده في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تَستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟
فقال: (قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل، فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يُؤتى بالمِنشار، فيُوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظْمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتِمَّنَّ الله تعالى هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللهَ والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق